فصل: بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ:

(وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ وَالسَّمَكِ وَالطَّيْرِ وَالصَّيْدِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغْرَةِ وَالنُّورَةِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ»: أَيْ الْحَقِيرِ، وَمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرًا تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ، فَقَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْخَشَبَ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ، وَإِنَّمَا يُدْخَلُ فِي الدَّارِ لِلْعِمَارَةِ لَا لِلْإِحْرَازِ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا.
وَيَدْخُلُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحُ وَالطَّرِيُّ.
وَفِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْبَطُّ وَالْحَمَّامُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ» وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ وَالتُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا.
الشرح:
بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» قُلْت، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: «لَمْ تَكُنْ يَدُ السَّارِقِ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ»، وَزَادَ فِي مُسْنَدِهِ: «وَلَمْ تُقْطَعْ فِي أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مُرْسَلًا أَيْضًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ السَّارِقُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْطَعُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ،وَلَمْ يَكُنْ يُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا هِشَامٌ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مُسْنَدًا، أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَبِيصَةَ الْفَزَارِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّ السَّارِقَ، إلَى آخِرِهِ بِاللَّفْظِ الثَّانِي، وَلَمْ يَقُلْ فِي عَبْدِ اللَّهِ هَذَا شَيْئًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَجِدْ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا، فَذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَ أَنَّ فِي رِوَايَاتِهِ نَظَرًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ».
قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا مَوْقُوفًا عَلَى عُثْمَانَ، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ الثَّانِي: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ سَرَقَ دَجَاجَةً، فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَ عُثْمَانُ: لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ طَيْرًا، فَاسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطَعَ فِي الطَّيْرِ، وَمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَطْعٌ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى سَارِقِ الْحَمَّامِ قَطْعٌ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَرَادَ الطَّيْرَ وَالْحَمَّامَ الْمُرْسَلَةَ فِي غَيْرِ حِرْزٍ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: ظَنَّهُ الْحَمَامَ بِالتَّخْفِيفِ وَإِنَّمَا هُوَ الْحَمَّامُ بِالتَّشْدِيدِ. انْتَهَى.
قُلْت: بَوَّبَ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بَابُ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، فَيَسْرِقُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَارِقِ الْحَمَّامِ، قَالَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْحَمَّامَ، وَتَرَكَ بُرْنُسًا لَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَرَقَهُ، فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ، فَجَاءَ بِهِ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، إلَى آخِرِهِ.
قَالَ: (وَلَا قَطْعَ فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» وَالْكَثَرُ: الْجُمَّارُ، وَقِيلَ الْوَدِيُّ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ وَالثَّمَرِ، لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ إجْمَاعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقْطَعُ فِيهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ أَوْ الْجِرَانُ قُطِعَ» قُلْنَا: أَخْرَجَهُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ، وَاَلَّذِي يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فِي عَادَتِهِمْ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ: «أَنَّ غُلَامًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطٍ، فَرَفَعَ إلَى مَرْوَانَ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَأَعَادَهُ فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ وَاسِعَ بْنَ حِبَّانَ، وَلَمْ يُتَابِعْ سُفْيَانَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إلَّا حَمَّادُ بْنُ دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلُ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَأَمَّا غَيْرُ حَمَّادٍ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، لَمْ يَذْكُرْ وَاسِعَ بْنَ حِبَّانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَافِعٍ. انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ رَافِعٍ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ وَاسِعًا. انْتَهَى.
أَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ فَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُنْقَطِعَةِ حَمَّادُ بْنُ دَلِيلٍ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَيْضًا، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَزُهَيْرٌ، وَشُعْبَةُ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُنْقَطِعًا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُفْيَانَ، وَمِنْهُمْ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ»، انْتَهَى.
وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ الثَّمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مَا كَانَ مُعَلَّقًا فِي النَّخْلِ، قَبْلَ أَنْ يُجَذَّ وَيُحَرَّزَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي قَرِيبًا: «وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» وَزَادَ النَّسَائِيّ فِيهِ لَفْظَ: وَالْكَثَرُ: الْجُمَّارُ الَّذِي فِي النَّخْلِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ إلَّا بِالطَّرِيقِ الْمَقْطُوعَةِ، وَبِالطَّرِيقَيْنِ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنِّي لَا أَقْطَعُ فِي الطَّعَامِ»، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَلَمْ يُعِلَّهُ بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَعَمْرًا عَنْ الْحَسَنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَرَقَ طَعَامًا، فَلَمْ يَقْطَعْهُ»، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَالسَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَفْسُدُ مِنْ نَهَارِهِ، كَالثَّرِيدِ وَاللَّحْمِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ، فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ أَوْ الْجِرَانُ، قُطِعَ».
قُلْت: غَرِيبٌ هَذَا اللَّفْظُ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرِ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ فِي اللُّقَطَةِ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَعَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَطْعٌ، إلَّا مَا آوَاهُ الْجَرِينُ، فَمَا أُخِذَ مِنْ الْجَرِينِ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَفِيهِ الْقَطْعُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ، وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ»، مُخْتَصَرٌ.
وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: قَالَ إمَامُنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَةً فَهُوَ كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْحُدُودِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْبُيُوعِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ بِهِ مُخْتَصَرًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ السَّرِقَةَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى.
وَوَقَّفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ قَطْعٌ، حَتَّى يَأْوِيَ الْجَرِينَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ نَحْوُهُ سَوَاءٌ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: مَنْ أَخَذَ مِنْ الثَّمَرِ شَيْئًا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَأْوِيَ الْجَرِينَ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ قُطِعَ، انْتَهَى.
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ، فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَلَا قَطْعَ فِي الْفَاكِهَةِ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ (وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) لِأَنَّ السَّارِقَ يَتَأَوَّلُ فِي تَنَاوُلِهَا الْإِرَاقَةَ، وَلِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ.
قَالَ: (وَلَا فِي الطُّنْبُورِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَازِفِ (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلُهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَفِ فَتُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلْجِلْدِ وَالْأَوْرَاقِ وَالْحِلْيَةِ وَإِنَّمَا هِيَ تَوَابِعُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ، وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ تَرْبُوا عَلَى النِّصَابِ (وَلَا قَطْعَ فِي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَصَارَ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُحَرَّزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا وَلَا يُحَرَّزُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَتَاعِهِ.
قَالَ: (وَلَا الصَّلِيبِ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ) لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَهَا الْكَسْرَ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ التِّمْثَالُ، لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ فَلَا تَثْبُتُ شُبْهَةُ إبَاحَةِ الْكَسْرِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّلِيبُ فِي الْمُصَلَّى لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ آخَرَ يُقْطَعُ لِكَمَالِهِ الْمَالِيَّةَ وَالْحِرْزَ (وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُلِيِّ تَبَعٌ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الصَّبِيَّ إسْكَاتَهُ أَوْ حَمْلَهُ إلَى مُرْضِعَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ هُوَ نِصَابٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَحْدَهُ، فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ ثَرِيدٌ، وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ كَيْ لَا يَكُونَ فِي يَدِ نَفْسِهِ (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) لِتَحَقُّقِهَا بِحَدِّهَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ وَالْبَالِغُ سَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ يَدِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ مَالٌ مُطْلَقٌ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ يُعْرَضُ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ إلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ (وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ (إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ) لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَوَاغِدُ.
قَالَ: (وَلَا فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ) لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِمَا يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ظَاهِرٌ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً (وَلَا قَطْعَ فِي دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا بِرَبْطٍ وَلَا مِزْمَارٍ) لِأَنَّ عِنْدَ هُمَا لَا قِيمَةَ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِذُهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ فِيهَا (وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْأَبَنُوسِ وَالصَّنْدَلِ) لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُحْرَزَةٌ لِكَوْنِهَا عَزِيزَةً عِنْدَ النَّاسِ، وَلَا تُوجَدُ بِصُورَتِهَا مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ: (وَيُقْطَعُ فِي الْفُصُوصِ الْخُضْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ) لِأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا، وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ فِي دَارِ إسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِيَ وَأَبْوَابًا قُطِعَ فِيهَا) لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحْرَزُ بِخِلَافِ الْحَصِيرِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يُبْسَطَ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ، وَفِي الْحُصُرِ الْبَغْدَادِيَّةِ قَالُوا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي سَرِقَتِهَا لِغَلَبَةِ الصَّنْعَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي غَيْرِ الْمُرَكَّبِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدِ حَمْلُهُ، لِأَنَّ الثَّقِيلَ مِنْهُ لَا يُرْغَبُ فِي سَرِقَتِهِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ) لِقُصُورٍ فِي الْحِرْزِ (وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ) لِأَنَّهُ يُجَاهِرُ بِفِعْلِهِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا خَائِنٍ».
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَطْعَ عَلَى مُخْتَلِسٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا خَائِنٍ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، وَفَرَّقَهُ أَبُو دَاوُد، فَرَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ، وَمَنْ انْتَهَبَ نُهْبَةً مَشْهُورَةً، فَلَيْسَ مِنَّا»، وَقَالَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ، وَلَا عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَمْ يَسْمَعْهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا سَمِعَهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ، وَقَدْ رَوَاهُمَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ سَوَاءً، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَيْضًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمُنْتَهِبَ، فَزَالَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُد، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ، الْحَدِيثَ.
فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ جُرَيْجٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: إنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَدَلَّسَهُ عَلَيْهِ، وَيَاسِينُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى.
وَتَرَدَّدَ النَّسَائِيُّ فِيهِ، فَقَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَمَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مِنْهُمْ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلَا أَرَاهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. انْتَهَى.
قُلْنَا: فِي سَنَدِ ابْنِ حِبَّانَ مَا يَنْفِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَحَقَّقَ إيصَالَهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَى مُخْتَلِسٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا خَائِنٍ قَطْعٌ»، انْتَهَى.
وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ صَدُوقٌ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الْمُخْتَلِسِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمِصْرِيُّ ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْمُسَاوِرِ ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ مِنْ حِفْظِهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا خَائِنٍ قَطْعٌ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا يُونُسُ، وَلَا عَنْ يُونُسَ إلَّا ابْنُ وَهْبٍ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو مَعْمَرٍ، انْتَهَى.
وَاسْتُشْكِلَ حَدِيثُ الْمَخْزُومِيَّةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ، وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا».
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ: «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا».
وَأَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَفْظُ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ: قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي قِصَّةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا: سَرَقَتْ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا اسْتَعَارَتْ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا، فَقُطِعَتْ»، انْتَهَى.
وَأَخَذَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ الْعَارِيَّةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ خَائِنٌ، وَالْخَائِنُ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الشَّيْءِ، فَيَخُونُ فِيهِ، فَسَقَطَ الْقَطْعُ.
لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِتْمَامِهِ، وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعَارِيَّةِ وَقَعَ فِيهِ لِقَصْدِ التَّعْرِيفِ، لَا أَنَّهُ سَبَبُ الْقَطْعِ، بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِالسَّرِقَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ تَفَرَّدَ بِذِكْرِ الْعَارِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ اللَّيْثَ رَاوِيَ السَّرِقَةِ تَابَعَهُ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، كَرِوَايَةِ اللَّيْثِ.
وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَافَقَ مَعْمَرًا فِي رِوَايَةِ الْعَارِيَّةِ، لَكِنْ لَا يُقَاوَمُ مَنْ ذَكَرَ، فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْعَارِيَّةِ إنَّمَا كَانَ تَعْرِيفًا لَهَا بِخَاصِّ صِفَتِهَا، إذْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الِاسْتِعَارَةِ، حَتَّى عُرِفَتْ بِذَلِكَ، كَمَا عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّةٌ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا هَذَا الصَّنِيعُ حَنَى سَرَقَتْ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِهَا.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: «لَمَّا سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ، وَكَانَتْ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَجِئْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ، وَقُلْنَا: نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَطْهُرُ خَيْرٌ لَهَا، فَأَتَيْنَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَقُلْنَا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ: مَا إكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، قَالَ: وَقِيلَ: هِيَ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ، انْتَهَى.
وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «اسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ يَعْنِي حُلِيًّا عَلَى أَلْسِنَةِ أُنَاسٍ يُعْرَفُونَ، وَلَا تُعْرَفُ هِيَ، فَبَاعَتْهُ، فَأُخِذَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا، وَهِيَ الَّتِي شَفَّعَ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: وَعِنْدِي أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهُ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ أَصْحَابُهُ، وَلِمُوَافَقَتِهِ حَدِيثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ: «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ، وَتَجْحَدُهُ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَلْ مِنْ امْرَأَةٍ تَائِبَةٍ إلَى اللَّهِ، وَرَسُولِ اللَّهِ؟ فَلَمْ تَقُمْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ، وَلَمْ تَتَكَلَّمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قُمْ يَا فُلَانُ فَاقْطَعْ يَدَهَا لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقَطَعَهَا»، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، فِيمَنْ عَصَاهُ، وَرَغِبَ عَنْ أَمْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَلَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ.
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحَرَّزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ فِيهِ.
وَلَهُمَا: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي نَفْسِهَا نَادِرَةُ الْوُجُودِ، وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لِمَا بَيَّنَّاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فَقَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ إجَازَةً، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ يَعْنِي ابْنَ سُفْيَانَ وَفِيمَا أَجَازَ لِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ»، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، كَبِشْرِ بْنِ حَازِمٍ، وَغَيْرِهِ، وَرَوَى أَيْضًا أَنْبَأَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ إجَازَةً، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فَقَالَ: بَابُ قَطْعِ النَّبَّاشِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتَ إذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ، يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟ يَعْنِي الْقَبْرَ قُلْت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ: عَلَيْك بِالصَّبْرِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُد، لِأَنَّهُ سَمَّى الْقَبْرَ بَيْتًا، وَالْبَيْتُ حِرْزٌ، وَالسَّارِقُ مِنْ الْحِرْزِ يُقْطَعُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: قَالَ هُشَيْمِ: ثَنَا سُهَيْلٌ، قَالَ: شَهِدْت ابْنَ الزُّبَيْرِ قَطَعَ نَبَّاشًا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَسُهَيْلٌ هَذَا هُوَ سُهَيْلُ بْنُ ذَكْوَانَ أَبُو السِّنْدِيِّ الْمَكِّيُّ، قَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ وَجَدَ قَوْمًا يَخْتَفُونَ الْقُبُورَ بِالْيَمَنِ، عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: أَنْ اقْطَعْ أَيْدِيَهُمْ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَمَسْرُوقٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالُوا: يُقْطَعُ النَّبَّاشُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَقِيُته بِمِنًى عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى النَّبَّاشِ قَطْعٌ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أُتِيَ مَرْوَانُ بِقَوْمٍ يَخْتَفُونَ أَيْ يَنْبُشُونَ الْقُبُورَ فَضَرَبَهُمْ، وَنَفَاهُمْ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَزَادَ: وَطَوَّفَ بِهِمْ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أُخِذَ نَبَّاشٌ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ، وَيُطَافَ بِهِ، انْتَهَى.
(وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ.
قَالَ: (وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ) لِمَا قُلْنَا.
(وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ، وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إلَّا بَيْعًا بِالتَّرَاضِي.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ.
قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ مِنْهُ دَنَانِيرَ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ.
(وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا فَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَكَامِلَةٌ كَالْأُولَى بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ.
وَلَنَا: أَنَّ الْقَطْعَ أَوْجَبَ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ، وَقِيَامَ الْمُوجَبِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْجِنَايَةِ مِنْهُ نَادِرٌ لِتَحَمُّلِهِ مَشَقَّةَ الزَّاجِرِ فَتَعْرَى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قُذِفَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفِ الْمَقْذُوفِ الْأَوَّلِ.
قَالَ: (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ وَقُطِعَ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَهَذَا نَحْوُ عَلَامَةِ التَّبَدُّلِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ، وَإِذَا تَبَدَّلَتْ انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَالْقَطْعِ فِيهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ ثَانِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ»، انْتَهَى.
وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ عَشَرَ.